أقدم 10 مساجد في دولة العراق، التاريخ الإسلامي، العمارة الإسلامية، المساجد الأثرية، العراق القديم، بغداد، الكوفة، سامراء، البصرة، الحيرة

مقدمة

يُعدّ العراق من أقدم البلدان التي احتضنت الإسلام بعد الدعوة النبوية في القرن السابع الميلادي، وقد لعب دورًا محوريًا في تاريخ الحضارة الإسلامية، سياسيًا، دينيًا، وثقافيًا. ومع انتقال الخلافة الإسلامية إلى العراق في العصر العباسي، أصبحت المدن العراقية مراكز إشعاع ديني وفكري، وكان للمساجد دور رئيسي في ترسيخ التعاليم الإسلامية، وتعليم العلوم، ونشر الثقافة العربية الإسلامية. ومع مرور القرون، بقيت العديد من المساجد التاريخية قائمة، بعضها لا يزال قائماً حتى اليوم، يحمل بين جدرانه آثارًا من العمارة الإسلامية الأولى، ويشهد على عصور ازدهار وانحسار مرت بها المنطقة. في هذا المقال، نعرض أبرز وأقدم عشرة مساجد في دولة العراق، مرتبين زمنياً بقدر ما تسمح به المعلومات المتوفرة تاريخياً، مع تسليط الضوء على دورها التاريخي، وقيمتها المعمارية والدينية.

1. مسجد الكوفة المعظم

التاريخ والموقع

يقع مسجد الكوفة في مدينة الكوفة بمحافظة النجف، ويعد من أقدم وأهم المساجد في العالم الإسلامي. تشير الروايات إلى أن بناءه تم بأمر من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 هـ (638م)، ليكون مركزًا دينيًا وإداريًا في المدينة الجديدة التي أنشئت لأغراض عسكرية أولاً ثم تحولت إلى مدينة ذات أهمية دينية وثقافية.

الأهمية الدينية والتاريخية

يمتاز مسجد الكوفة بمكانته الروحية الكبيرة لدى المسلمين، وخاصة الشيعة، فهو يحتوي على مواقع يُعتقد أنها شهدت أحداثاً مهمة، مثل مقام الإمام علي بن أبي طالب، وموقع المحراب الذي استشهد فيه، كما يعتقد أنه ضم قبر النبي آدم والنبي نوح عليهما السلام. كما كان منبرًا لكبار الصحابة والتابعين في تعليم الدين والفقه.

2. الجامع الأموي في البصرة (مسجد البصرة الكبير)

التاريخ والموقع

يعتبر مسجد البصرة الكبير، أو الجامع الأموي، أقدم مسجد بني في العراق على الإطلاق، حيث شُيّد سنة 14 هـ (635م) على يد عتبة بن غزوان في أولى مراحل تأسيس مدينة البصرة. بُني المسجد بداية من القصب والطين، ثم تم ترميمه لاحقاً بالحجارة والطوب.

الأهمية التاريخية

ارتبط المسجد بتاريخ البصرة العلمي والفقهي، حيث تخرّج منه علماء كبار مثل الحسن البصري، وواصل بن عطاء، وغيرهم من مؤسسي المدارس الكلامية والفقهية. رغم تهدمه المتكرر بسبب الفيضانات والزلازل، فإن أهميته التاريخية تبقى راسخة في التراث الإسلامي.

3. الجامع العباسي في سامراء

التاريخ والموقع

تم بناء الجامع العباسي أو الجامع الكبير في سامراء في عهد الخليفة المتوكل العباسي عام 234 هـ (848م)، ويُعد من أضخم المساجد في العراق من حيث المساحة، وقد كان أحد المعالم المعمارية المميزة في العهد العباسي.

المميزات المعمارية

اشتهر هذا المسجد بمنارته الفريدة (الملوية)، التي يبلغ ارتفاعها حوالي 52 متراً، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم وتُعد رمزاً للمدينة. بني المسجد من الطوب المغلف بالجص، وكان يتسع لعشرات الآلاف من المصلين، ويدل على تطور العمارة الإسلامية في العصر العباسي.

4. مسجد الحلة الكبير (الجامع الكبير في الحلة)

التاريخ والموقع

يعود تأسيس مسجد الحلة الكبير إلى القرن السادس الهجري، وتحديداً إلى عهد الدولة البويهية، وقد تعرّض لترميمات عديدة في العصور اللاحقة، خاصة في العصر العثماني. يقع المسجد في وسط مدينة الحلة بمحافظة بابل.

الدور الثقافي

لعب المسجد دوراً مهماً في نشر العلوم الإسلامية، واحتضان حلقات الفقه والتفسير، وهو لا يزال مركزاً مهماً للشعائر الدينية حتى اليوم. ويضم مكتبة تاريخية تحتوي على مخطوطات نادرة في علوم الدين واللغة.

5. مسجد الإمام الأعظم (جامع أبي حنيفة)

التاريخ والموقع

يقع هذا المسجد في منطقة الأعظمية شمال بغداد، ويعود تأسيسه إلى القرن الثاني الهجري، حين دُفن فيه الإمام أبو حنيفة النعمان (150 هـ/767م)، ثم بُني المسجد في عهد الدولة العباسية، وتم ترميمه وتوسيعه مراراً خلال العهد العثماني والحديث.

الدور الديني والعلمي

يُعد هذا المسجد من أبرز مراكز الفكر الحنفي في العالم الإسلامي، حيث كان يحتضن مدرسة فقهية رائدة، وكان مركزًا علميًا يرتاده طلبة العلم من العراق وخارجه. ويشهد المسجد إقبالًا كبيرًا خصوصًا في المناسبات الدينية.

6. جامع الخلفاء في بغداد

التاريخ والموقع

شُيّد جامع الخلفاء في عهد الخليفة المستظهر بالله العباسي سنة 593 هـ (1197م) في وسط بغداد، وهو من الآثار القليلة المتبقية من العصر العباسي في العاصمة العراقية.

الخصائص المعمارية

يمتاز الجامع بمئذنته المزخرفة، التي تعتبر من أجمل المآذن البغدادية، وتجمع بين فنون العمارة العباسية والعثمانية. ورغم الأضرار التي لحقت به عبر الزمن، فإن المسجد ما زال قائماً ويستخدم للصلاة.

7. مسجد الإمام علي في النجف

التاريخ والموقع

يقع هذا المسجد في مدينة النجف، ويحتضن ضريح الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. يُعتقد أن الضريح بُني أول مرة في القرن الثاني الهجري، ثم خضع لعدة توسعات في العصور اللاحقة، خاصة خلال العهد الصفوي والعثماني.

الأهمية الروحية والسياسية

يُعد من أهم المزارات الدينية في العراق والعالم الإسلامي، وله دور كبير في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية. ويقصده ملايين الزوار سنويًا، ما يجعله محورًا للحياة الدينية في الجنوب العراقي.

8. جامع النوري الكبير في الموصل

التاريخ والموقع

بني الجامع النوري في مدينة الموصل عام 566 هـ (1172م) على يد السلطان نور الدين زنكي، ويعد من أهم المعالم الإسلامية في شمال العراق.

السمات المعمارية

اشتهر بمنارته الحدباء، التي كانت تميل بشكل ملحوظ قبل أن تُدمّر في أحداث 2017. وقد أعيد ترميم المسجد في مشاريع تراثية دولية لما له من رمزية دينية وتاريخية كبيرة.

9. جامع السهلة في الكوفة

التاريخ والموقع

يُعتقد أن جامع السهلة بني في القرن الأول الهجري، ويقع في ضاحية السهلة قرب الكوفة. يحمل أهمية كبيرة في الفكر الشيعي، ويُعتقد أنه سيكون مقر ظهور الإمام المهدي وفق بعض الروايات.

الأهمية الدينية

يعد الجامع مركزًا للزيارة والعبادة لدى الكثير من الزوار، ويشهد أنشطة دينية موسمية مهمة، خصوصاً في المناسبات الدينية الكبرى. كما يتميز بهدوئه وموقعه المنعزل نسبيًا.

10. مسجد الحيدرية في النجف

التاريخ والموقع

بُني هذا المسجد في العصر الصفوي، لكن يُعتقد أن موقعه احتضن مسجداً قديماً منذ العصر العباسي، وربما قبل ذلك. يقع في قلب مدينة النجف ويُستخدم حاليًا كمقر لبعض المدارس الدينية.

النشاط الديني

يشتهر المسجد بكونه مركزًا تعليميًا وروحيًا، وهو يرتبط بالحوزة العلمية في النجف، ويشهد حلقات دراسية دينية مستمرة، إلى جانب كونه مزارًا لعدد من الشخصيات الدينية المدفونة فيه.

جدول: أقدم 10 مساجد في العراق

الخاتمة

تحتضن العراق بين ربوعها إرثًا معماريًا وروحيًا عظيمًا يتمثل في مساجدها القديمة التي تمثل حلقات متصلة من التاريخ الإسلامي، من عصر الراشدين إلى الدولة العباسية وما بعدها. هذه المساجد ليست فقط بيوت عبادة، بل هي مراكز للعلم والثقافة والسياسة، ولها دور محوري في الهوية الدينية والثقافية للعراق. ورغم ما مرت به البلاد من أزمات، بقيت هذه المساجد شاهدة على عمق التاريخ وامتداد الروح الإسلامية في هذه الأرض.

المصادر

1. دائرة المعارف الإسلامية – Leiden University, Brill Academic

2. وزارة الثقافة العراقية – هيئة الآثار والتراث